الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية حــرب التســريـبـات تشتعل: هل تحوّل نداء تونس إلى حزب «مخترق»؟

نشر في  15 مارس 2017  (11:22)

يبدو أن حمى تسريبات التسجيلات الصوتية الخاصة بالاجتماعات الخاصة التابعة لحركة نداء تونس لن تتوقف، حيث بتنا أسبوعيا -إن لم نقل يوميا- نستفيق على معطيات صادمة عرّت المسكوت عنه والمخفي بشأن ما يدار ويحاك ويقال داخل الدائرة الحزبية الحاكمة الندائية ما أدى إلى إثارة موجة كبيرة من الجدل والاستنكار داخل الرأي العام التونسي الذي اعتبر أن ما تضمنته هذه التسريبات لا يليق بمكانة الحزب الأول في البلاد الذي حاز على ثقة الأغلبية في الانتخابات الماضية ..
 ويبدو أيضا أن قيادات نداء تونس لم تعد قادرة هي الأخرى على اجترار نفس الوضع وهي ترى وتشاهد بأم عينيها «الأيادي الخفية» تخترق أسرار اجتماعاتها فتنشر غسيلها وتنثر ما دار في ردهاتها الخاصة، فانتفضت وفي محاولة منها إلى تطويق الأزمة سارعت إلى تحديد هوية «المسربين» وأعلنت اعتزامها معاقبتهم..
في هذا الإطار كان لأخبار الجمهورية اتصال بأستاذ القانون الدستوري  قيس سعيد والإعلامي صلاح الدين الجورشي لبسط موقفيهما من قضية التسريبات الندائية وانعكاساتها، فضلا عن رصد ابرز تعليقات القيادات السياسية التابعة للحزب حول هذا الشأن فكان التالي...

رسائل بالجملة يوجّهها قيس سعيد

في البداية أكّد أستاذ القانون الدستوري والمحلل السياسي قيس سعيد أن تونس تعيش منذ مدة غير قصيرة على وقع ما صار يعرف بالتسريبات قائلا إن «الأمر لا يتعلّق فقط بالأحزاب أو ببعضها على الأقل بل حتى بمؤسسات الدول فكم من مرة تتم الإشارة إلى تسريب ويأتي إثره كالعادة تسريب في الاتجاه المعاكس»..
وحول ما يمكن استخلاصه من هذه المسألة أفادنا محدّثنا «لعل أهم نتيجة يمكن استخلاصها سواء تعلق الأمر بعدد من التنظيمات الحزبية أو بالدولة هو وجود صراعات بين أجنحة فيها، ففي الظاهر تبدو هذه الأحزاب وهذه المؤسسات متماسكة في العموم حول رفض الآخر ولكنها ليست في الواقع كذلك بل إذا كان يجمعهم الرفض في الظاهر فإن قلوبهم شتّى كل يحاول من الموقع الذي هو فيه أن يستفيد بصفة منفردة من المكان الذي يحتله أو من المكان الذي يرتّب أن يكون فيه»..
وتابع الأستاذ سعيّد مضيفا انه «تواصل هذا المسلسل منذ أعوام يدل على تفاقم الأزمة داخل مؤسسات الدولة وداخل الأحزاب ولكن من بين آثارها على وجه الخصوص اهتزاز ثقة المواطن فيها بوجه عام وهذه الثقة المهتزّة أصلا انهارت أو تكاد في كل هذه المؤسسات وفي هذه التنظيمات»، متابعا تصريحه قائلا «إن من بين الدلائل على ذلك هو هذا الشعور من الامتعاض و»القرف» من الخطاب السياسي أو من ممارسات عدد غير قليل من السياسيين..
وتساءل كيف يمكن أن يحظوا بثقة المواطنين إذا كانت ممارساتهم في ما بينهم وفي دوائرهم الخاصة هي على ذلك النحو وفي ذلك المستوى المذكورين؟، معتبرا أنهم يهيئون أنفسهم للانتخابات داخل هياكلهم أو ما بقي في هياكلهم ويتناسون أن التونسيين يتابعون تصرّفاتهم ويحلّلون مواقفهم وتقلّباتها على حد تعبيره..
في المقابل اعتبر محدّثنا انّ الأزمة عموما لا يمكن اختصارها في تنظيم أو في مؤسسة بل هي أزمة منظومة كاملة فشلت ولكن للأسف لا يفقه الفاشلون مدى فشلهم والآثار التي ستترتب عن هذه الأزمة العميقة بينهم من جهة وبين عموم التونسيين من جهة أخرى..
وختم قيس سعيد مداخلته مع أخبار الجمهورية قائلا «كثيرون من هؤلاء يعتقدون أنهم قادرون على ترتيب حساباتهم بأنهم سيواصلون في المواقع التي يحتلونها، ولكن ستأتي الأيام وتبين أنهم لا يقدرون أبدا على صنع تاريخ جديد لتونس فتونس القرن الحادي والعشرين ليست تونس في النصف الثاني من القرن السابق ومن لم يفقه هذه التحولات التي تعرفها البلاد وكل العالم  فانه لا يقدر أبدا أن يجاريها بل أن هذه التحولات ستؤدي بهم إلى الخسران..

صلاح الدين الجورشي: علامة من علامات الأزمة الندائية

بدوره اعتبر المحلّل السياسي صلاح الدين الجورشي في اتصال مع أخبار الجمهورية أنّ التسريبات هي علامة من علامات الأزمة التي يمر بها نداء تونس منذ قرابة السنتين ودليل على استمرار الخلافات في بعض جوانبها داخل الشق الحالي، يضاف إلى ذلك مساعي بعض الأطراف من خارج هذه الدائرة الحزبية التي ترى من مصلحتها تغذية هذه الخلافات لمزيد إضعاف هذا الجناح وخاصة إثارة الشكوك حول المدير التنفيذي الحالي حافظ قائد السبسي على حد تعبيره..
كما أفاد محدّثنا انه وبناء على التحقيق الذي قيل انه يجري حاليا داخل الحزب والذي قد يساعد على تحديد هوية من يقوم بهذه التسريبات وبقطع النظر عن هوية هذا الشخص أو ذاك، فإنه بات من الواضح من خلال هذه التسريبات أن هنالك نقاشا كبيرا دائرا حاليا بداخل هذا الحزب حول مسائل جوهرية تتعلق بطبيعة النظام السياسي للدولة هل يبقى شبه برلماني كما هو حاليا أم سيقع تحويله في اتجاه أن يصبح نظاما رئاسيا؟
واعتبر أن هذا النقاش حول طبيعة النظام السياسي يبقى طبيعيا ولكن المهم أن لا يكون الغرض منه هو اختزال النظام الرئاسي في شخص الباجي قائد السبسي رئيس الجمهورية الحالي بحكم كونه والد المدير التنفيذي للحزب، حيث انّ هذا الربط هو الذي يمكن أن يثير شكوكا ويخلق نوعا من التساؤلات حول طبيعة العمل المؤسساتي الذي يفترض أن يقع الاشتغال عليه والانطلاق منه لحماية الديمقراطية الناشئة في تونس..
في المقابل قال صلاح الدين الجورشي إنه ورغم ذلك فالحزب بتركيبته الحالية لا يزال مفتوحا ومرغوبا فيه من قبل عدد من الأشخاص الذين إما تحملوا مسؤوليات سياسية ونشطوا في المرحلة السابقة أو أنهم يريدون الانتماء إلى هيكل حزبي، معتبرا انّ هذه المسالة لافتة للنظر لإيحائها بأن الحزب بقدر ما هو يخسر عناصر مختلفة المستويات والأحجام داخله بقدر ماهو مازال مستقطبا لعناصر أخرى من ناحية ومسترجعا لعناصر قديمة ترى أن استمرار الحزب هو الغطاء الذي يمكن أن يوفر لها فرصة للنشاط السياسي..
 وتابع محدثنا مداخلته قائلا انّ انضمام الوجوه الوطنية الجديدة ستتأكد أهميته سواء في  إنقاذ الحزب أو في إضعافه وذلك من خلال التجربة السياسية على حد تعبيره..
وحول الانعكاسات التي ستخلّفها قضية التسريبات خاصة على الرأي العام التونسي قال محدّثنا إنها كانت انعكاسات سلبية للغاية جعلت قطاعا واسعا من التونسيين تتركب لديهم فكرة أن الأحزاب السياسية في شكلها العام في تونس هي مجموعات مصالح أكثر منها أحزاب لها برامج، وبناء على هذا اعتبر أن ما حدث من تسريبات رغم انه تعلق بدرجة أساسية بحزب نداء تونس إلا أن تداعياته يمكن أن تكون سلبية على المشهد الحزبي ككل في البلاد بعد ستّ سنوات من الثورة وفق تصريحه..

مجموعة من المختصين في مجال الصوت والجوسسة  على الخط..

من جهته أفاد رئيس اللجنة القانونية لحركة نداء تونس مراد دلش انه تم عرض ما يعرف بملف التسريبات على مجموعة من المختصين في مجال الصوت والجوسسة لتقديم النتائج النهائية حول حقيقة هذه التسريبات في اجل لا يتجاوز اليوم الأربعاء، حيث سيتم عرضه على لجنة النظام الداخلي للحزب اثر عقد هيئة سياسية في الغرض..
وأشار إلى انه إذا ثبتت التهمة على شخص معين بالدليل والحجج الواقعية سيتم اتخاذ العقوبات اللازمة في حقه والتي تصل إلى حد تجميد العضوية وقطع العلاقة مع الحزب حسب تعبيره.

حافظ قائد السبسي يعلّق..

أمّا المدير التنفيذي لحركة نداء تونس حافظ قايد السبسي وأكثر المعنيين بملف التسريبات فقد علّق على أنّ التسريب الذي يخصّه تم أثناء احد الاجتماعات المغلقة للحركة معبرا عن أسفه أن يكون العمل السياسي على هذا الشكل معتبرا ذلك غير لائق.
وأضاف حافظ قايد السبسي إن ما تم تداوله في الاجتماع ليس له أي تأثير على نداء تونس وهو يُعبر عن مواقف الحزب.
في سياق متصل كان حافظ قائد السبسي قد نشر إصدارا فايسبوكيا مباشرة اثر نشر التسريب الصوتي المذكور علّق من خلاله كما يلي «الخطير في موضوع التسريبات لاجتماع المكتب السياسي للنداء ليس المضمون أو المواقف التي تمّ تداولها في الاجتماع لتحديد الموقف النهائي للحركة... باعتبار أن المكتب السياسي هو الفضاء المخول لتبادل الآراء والتقييم والنقد البناء».
وتابع قائلا «الخطير هو التجسس على حرمة اجتماع مغلق ونشر التسجيل هدفه استهدافي واستهداف الحزب وكذلك لتشويه بعض القيادات ولزرع الفتنة والبلبلة عند الرأي العام...والتسجيل الذي نشر هو جزء من اجتماع دام أكثر من خمس ساعات وكل الأعضاء أدلوا بمواقفهم ...والسؤال المطروح من المستفيد من هذا التسريب؟»

الكشف عن هوية «المسرّب» وهذا ما سيتم اتخاذه في حقه..

على صعيد آخر تمكّن حزب نداء تونس من الكشف عن مُسرّب التسجيلات الصوتية من اجتماع الهيئة السياسية الأخير والتي أثارت جدلاً واسعاً، ووفق ما أكّده رئيس الكتلة البرلمانية سفيان طوبال، فإنّ الحزب أودع ملف تسريبات اجتماع الهيئة السياسية إلى التحقيق وإلى خبراء في الصوت، حيث تم مدّ الخبراء بتسجيلات وصور للتحقيق في المسألة.
وعن سبب عدم الإعلان عن هوية «المسرّب»، قال طوبال أنّه نظراً للاجتماع يوم الأحد الماضي الذي أعلن فيه عن انضمام ثلة من الوجوه الوطنية إلى الحركة، فقد قرّروا التأجيل كي لا يشوّش ذلك على الاجتماع، حيث أنّه بات من المؤكّد والمعروف وجود من «ينتظر» نداء تونس وكيف سيتصرف تُجاه هذه المسألة.
هذا كما بيّن سفيان طوبال أنّه وقع الاتفاق على أنّ المسؤول عن التسريبات سيقع طرده وفي نفس الوقت الحزب له مؤسساته التي ستبت في هذا الموضوع وهي لجنة النظام والهيئة السياسية التي ستنعقد اليوم الأربعاء، مُؤكّدا وجود كل الأدلة والتسجيلات .

هذا ما جاء في تصريحات حافظ قائد السبسي المسرّبة..

تجدر الإشارة الى ان التسجيل الصوتي المسرّب من أحد الاجتماعات المضيقة لحزب نداء تونس والذي أثار جدلا واسعا، كشف مواقف المدير التنفيذي للحزب حافظ قايد السبسي من التحوير الوزاري الأخير. وقد انتقد حافظ قائد السبسي ـ في التسجيل الذي نشره موقع بيزنس نيوز»- رئيس الحكومة يوسف الشاهد قائلا: «لم نأت به لكي يدير لنا ظهره ويعين أشخاصا في ديوانه مثل هؤلاء». وذكر السبسي انه لم يكن على بينة من التحوير الوزاري قائلا: «لقد تجاهلونا عمدا».
ودعا حافظ قايد السبسي في نفس التسجيل المسرب الى اقالة اياد الدهماني من منصب الناطق الرسمي بإسم الحكومة قائلا: «عندي مدة وانا نقول إنه على اياد الدهماني مغادرة الحكومة»!  كما انتقد السبسي أحد مستشاري يوسف الشاهد الذي كان في انقلترا قائلا: «كان نهزو معايا في الأسواق، تو يخطفوهولي».
وبخصوص تعيين خليل الغرياني في منصب وزير الوظيفة العمومية، ذكر السبسي أنه اعترض على التحاق الغرياني بقوائم الحزب في الانتخابات التشريعية بدائرة منوبة مضيفا أنه لا تربطه به اية علاقة.
أما بشأن تسمية وزير الشؤون الدينية، فاعترف السبسي أنه غير مضطلع في الشؤون الدينية. وواصل السبسي كلامه معبرا عن تفاؤله بالانتخابات البلدية القادمة وبفوز حزب نداء تونس شريطة العمل على الجهات ومزيد الالتفاف حول الحزب مضيفا أنه كما قاله أحدهم «مادام الشايب الكبير في قرطاج، ما فما شيء يهرب عليه».
أما في ما يتعلق بمنظومة الحكم اي النظام البرلماني، فقال حافظ السبسي إنه يجب العمل على تغييره من خلال تقديم مبادرة تشريعية لتغيير منظومة الحكم.

ملف من إعداد منارة تليجاني